تريند 🔥

🤖 AI

لماذا أُحب البودكاست، ولماذا عليك أن تحبه أيضًا؟

في حب البودكاست مقال علي عبدو
علي عبدو
علي عبدو

6 د

بعد أن طغى المحتوى التافه الخالي من القيمة على منصة تيك توك ، وأصبح التباري بإذلال الآخرين على البث المباشر "تحديًا" يُكسب "التيك توكر" مئات وربما آلاف الدولارات في جلسة واحدة، بينما على الخاسر في هذا التحدي تحمل عقوبات مُهينة كوضع حذاء على الرأس أو سكب الطحين على الوجه. تُعرف هذه العقوبات بـ"الحُكم"، وهي مصممة لإمتاع الجمهور الذي يطلب باستمرار المزيد من هذا المحتوى ويستمتع به لأسباب نفسية لا خبرة لي فيها.

بحسب بحث قامت به جامعة كاليفورنيا، فإن معدل الانتباه والتركيز على الشاشات (ونفس المعدل يمكن تطبيقه على أي نشاط آخر يحتاج إلى تركيز) قد انخفض من دقيقتان ونصف الدقيقة في 2004، إلى ما يقارب 47 ثانية في 2012، ,وقد انخفض هذا الرقم إلى 8 ثوانٍ في 2023، ما يجعلنا اليوم أقل تركيزًا من السمكة! ولم يعد تيك توك وحده هو المسؤول، فقد انضمت أيضًا انستاغرام وفيسبوك ويوتيوب إلى قائمة داعمي المحتوى "قصير التيلة" الذي يركز على تزويدك بجرعات دوبامين مركزة تدفعك لطلب المزيد.

في ظل هذه الظروف، نحتاج إلى بطل يُعيد لنا الأمل ويخلصنا من هذه السطحية. لنُرحب بالبودكاست، أو كما أُحب أن أسميه "عُمق مان"، ذلك البطل الخارق الذي يتحدى كبسولات الثواني المعدودة، ويمدُها ليس فقط إلى دقائق فقط، بل ربما إلى ساعات، مليئة (في أغلبها) بمحتوى وأفكار مفيدة ووجهات نظر مختلفة، وكأنه منارة أمل لمن يبحثون عن محتوى مفيد وأكثر جوهرية.


لماذا البودكاست؟

في ظل توجه العالم اليوم إلى التفاهة، وتبنيها توجهًا، أو هكذا أظُن وأتمنى أن أكون مخطئًا، فنحن بحاجة ماسة إلى العمق أكثر من أي وقت مضى، وهذا ما يؤمنه البودكاست الصوتي في غالب الأحيان من خلال محتوى طويل المدة. 

يكمُن سحر المحتوى طويل المدة الذي قد يصل إلى ساعات في قدرته على منح الفرصة لصانعي المحتوى للغوص في المواضيع إلى أعمق نقطة ممكنة، وكذلك طرح الأفكار بطريقة تتطلب أكثر من مجرد نظرة عابرة أو معلومات سطحية.

ينخرط عادةً صانعو البودكاست في حوار عميق ومفصل، ويشمل كل جوانب الموضوع، وفي أغلب الأحيان لا يتركون شاردةً أو واردةً عن موضوع معين دون أن يتطرقوا لها. مما يُعطي المستمع فكرة واضحة للغاية عن أي موضوع، ويبعده عن القشور التي ملأت كل مكان.

يسمح لنا البودكاست أن نأخذ استراحة من عالمنا السريع الإيقاع، حيث الجميع يبحث عن الاجابات المختصرة والمعلومة السريعة، وفي البودكاست نجد ملاذًا يتيح لنا التنفس بعمق والتفكير بتأني. إنه يقدم لنا فرصة لإعادة اكتشاف متعة الاستماع والتعلم بصبر، والانغماس في تجارب فكرية وعاطفية ترتقي بنا فوق سطحية المحتوى السائد.

يخلق المحتوى الطويل أيضاً فرصة للحصول على فهم أكثر عمقًا لكل المواضيع التي ترغب في الاطلاع عليها. بدايةً من العلوم والتاريخ إلى الفنون والفلسفة. يسمح هذا النوع من المحتوى بمزج الحكايات الشخصية مع البحث العلمي المعمق، حيث يمكنك أن تعرف قصة حياة شخص ما، وأن تأخذ خلاصة خبرته وتجاربه في الحياة.

البودكاست هو دعوة لإعادة تقدير قيمة الزمن. فالأشياء تزداد قيمةً عندما نمنحها الوقت الكافي. إنّ كان لديك ساعة أو ساعتين من وقت الفراغ فبدلًا من أن تضيعها على مقاطع الرقصات والتحديات، اختر لك بودكاست ما، ومن ثم غُص إلى أعمق نقطة يمكنك الوصول إليها، كما يمكنك الاستمتاع بالبودكاست المفضل لديك في حالاتٍ وأماكن أكثر، ويمكن أن تستمع إليه في طريقك إلى العمل أو الجامعة، أو حتى أثناء الطبخ أو الجلي أو تنظيف المنزل، ولن يشوشك ذلك عن التركيز عما تقوم به على الإطلاق.


يا أهلًا بالحميمية الصوتية ووداعًا للافراط البصري

نحن في عصر تتسابق فيه الصور والمؤثرات البصرية لاستقطاب انتباهنا من كل الجهات، وتطاردنا الشاشات المضيئة في كل مكان، فإذا نجوت من شاشات التلفاز/ أو الحاسب، أو "الحاسب اللوحي" ، فستقع لا محالة في براثن شاشة هاتفك الذكي، لتستهلك مرة أخرى محتوى بصريًا لا ينتهي، ومصممٌ خصيصًا لإبهارك بصريًا أكثر من  الارتقاء بك فكريًا. 

هنا يستحضر البودكاست سحر الأيام الخوالي للراديو، حيث كان الاستماع هو النافذة الرئيسية للعالم الخارجي، تاركًا عقلك وذهنك يُحوّل كل كلمة ونبرة صوت إلى صورة ذهنية غاية في الجمال قد تكون أكثر حيوية وتفاعلًا من تلك التي تقدمها المحتويات البصرية المباشرة. نُشارك هنا بأنفسنا في بناء المشاهد والشخصيات في أذهاننا. تُصبح عقولنا المسرح، والقصص المروية تُصبح الشخصيات والأحداث. هذا التفاعل يعزز التركيز والتأمل ويمكن أن يسهم في تحسين مهارات الاستماع والتفكير النقدي.

هنا في عالم الصوت والصوت فقط، لا يوجد تلقي سلبي للمعلومات، ولا يوجد خوارزميات من شأنها أن تبرمج عقلك الباطن برسائل مخفية في كل مكان، مما يدفعك لشراء المنتج الفلاني أو غيره، ظانًا منك أن تأخذ قرارًا من تلقاء نفسك.

تعتبر الحميمية الصوتية التي توفرها تجربة الاستماع إلى البودكاست واحدة من أبرز مميزات هذا النوع من المحتوى. في البودكاست، يتحول الصوت إلى أداة قوية تنقل ليس فقط المعلومات والأفكار، بل تنقل أيضاً العواطف والنبرات والانفعالات التي قد تغيب في ظل التفاصيل اللامتناهية في المحتوى المرئي.

يمكن أن يصبح صوت مقدم/مقدمة البودكاست وجودًا مألوفًا ومريحًا في حياة المستمعين، مما يخلق نوعاً من الصداقة الافتراضية حيث يشعر المستمعون بأنهم يعرفون مقدم البودكاست بعمق، رغم أنهم لم يلتقوا به شخصيًا أبدًا. هذه العلاقة الصوتية الحميمة تجعل الاستماع إلى البودكاست تجربة شخصية للغاية، بحيث يمكن للمستمعين الشعور بأنهم جزء من حوار أو مناقشة، حتى وإن كانوا مجرد مستمعين.


قيمة تعليمية ذات بُعد آخر

القراءة والتركيز الشديد من أفضل الوسائل لتعلّم شيئ جديد، ولكن مع تراجع حدة التركيز، ومع انخفاض معدلات القراءة، فنحن أمام مشكلة كبيرة جدًا. برأيي أن البودكاست يُمكن أن يكون بديلًا مناسبًا للغاية إن أراد المرء أن يتعلّم شيئًا جديدًا من الصفر، فيمكن أن يختار بودكاست او اثنين عن موضوع معين، وستكون انطلاقة جيّدة للغاية، وبالتأكيد أفضل من أن تتعلم شيئًا جديدًا عن طريق مقطع مدته خمس دقائق مثلًا!

للأسف هناك حدود لما يُمكن أن تتعلمه عن طريق المحتوى الصوتي، فمثلًا من المستحيل أن تتعلم البرمجة، أو الرياضيات. لكن إذا سمعت قصة اختراع علم المثلثات بشكل مفصل، أو نقاش مُعمق عن الاختلاف بين لغة C ولغة ++C فستُحصن معلوماتك وتُحسنها بكل تأكيد، وستضيف إليها بُعدًا جديدًا.

القيمة التعليمية للبودكاست تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد تقديم المعلومات؛ إنها منابر حقيقيًا للخبراء والعلماء والمؤرخين والفنانين للتعبير عن آرائهم ومشاركة خبراتهم دون القيود التي تفرضها ضرورة الاختصار المفرط. يمكن للمستمعين الحصول على دروس مفصلة في تاريخ ميكانيكا الكم، أو استكشاف تأثير ودلالات الدراما في حياة الشعوب.

يتيح، البودكاست باختصار، بُعد جديد في التعلم ويمنح مرونة لا توفرها المنصات الأخرى.

في النهاية دوعنا نعود للواقع قليلًا، مع أنني مدحت البودكاست و"طبّلت" له بشكل كبير للغاية، لكنني لست سعيدًا جدًا بواقع البودكاست العربي.

هنالك محاولات جادة وجيدة جدًا في الحقيقة، لكننا ما زلنا بحاجة إلى المزيد، على مستوى الكم والنوع. هذه دعوة مفتوحة للجميع، لإثراء المكتبة العربية، فنحن في أمس الحاجة إلى إبطاء عجلة الضحالة بل وعكسها اذا استطعنا، وهذا ما لا يمكن أن يحدث بدون العُمق الكافي.

ذو صلة

هل توافقني الرأي في هذا الموضوع؟ لنتبادل أسماء برامج البودكاست المفضلة لدينا في التعليقات أدناه.

من المحرر 👀 بودكاست أراجيك قادم

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

شكرًا لكم على هذا المقال الرائع.
أنا أستمع إلى بودكاست ثمانية وقناة حكواتي والعربي الجديد بودكاست.

ذو صلة