عبدالعزيز آل زايد
عبدالعزيز آل زايد

د

اتخذ لك جناحَ قراءة

أتذكر من أيام طفولتي، مشهدًا لمسلسل كرتوني لا يزال يعلق بالذاكرة، وهو أنّ رجلًا كان يعدو للحاق بالسفينة، وبعد جهدٍ مضني تمكن الأخير، من الصعود فيها، وألقى بجسده من فرط الإعياء، صفق له عقلي حينها، واعقبت ببراءة الأطفال: “لولا محاولاته الجادة لما تمكن من الصعود”. تلك السفينة تذكرني بسفينة أخرى هي سفينة القراءة، هناك من ركبها، وهناك من تركها، وهناك من يعدو ويكافح ليبلغها، فأي الثلاثة أنت؟!

في كل عام تولد كتب جديدة، والناس حيال هذه الكتب على أنواع، البعض ينظر للكتاب الجديد، كذبابة مرت من أنفه، وآخر  يرى أنّه وقع على كنز من الكنوز، فأيّ الأفراد أنت؟!. وهل برأيك فعلًا يمثل الكتاب الجيد صندوق كنز؟

الكتاب غير المناسب كقاطعِ طريقٍ، يّلزمك تجنبه لكونه يحرمك من مواصلةِ الرحلةِ ويقطعُ عليكَ مطالعة كتبٍ أخرى. إذا كنت تتقاطع مع رأي العقّاد بأنّ “حياةً واحدةً لا تكفي”، فستكون القراءة لك حلًا.

في دراسةِ احصائية تقارنُ متوسطَ قراءات الأفراد في كلٍ من أمريكا وأوروبا والدول العربية، يحتل متوسط قراءة الفرد الأمريكي الصدارة بقراءة أكثر من ٢٠٠ ساعة في السنة، وفي أوروبا أكثر من ١٥٠ ساعة في السنة، بينما متوسط القراءة لدى الفرد العربي لا يتعدى  ١٥ دقيقة في السنة!!، فماذا يعني هذا؟!

اتخذ لك جناح قراءة

قطعًا هذا يعني أن القراءة لدى الفرد العربي تقع في الهامش، فهل بالفعل القراءة مهمة؟، أم هي مضيعة للوقت؟، لنقدم نمذجة في هذا السياق على هيئة (هل تعلم؟)، هل تعلم أنّ (بيل غيتس)، صاحب مايكروسوفت يقرأ سنويًا ٥٠ كتابًا، فكم هي حصيلتنا السنوية؟، وأي الكتب هي التي نقرأها؟

لنعود إلى الطفولة والتربية، هل نعلم أنّ الأفعال معدية؟، بمعنى أنّ الطفل يتأثر بما تقع عليه عينيه، فإذا كانت الأسرة تدمن عادة القراءة، أصبح هذا الطفل قارئًا، والعكس صحيح!!. يحكى أنّ شابًا اكتشف ذات مرة أنّ والده يحمل الجريدة بالمقلوب، فلما أبلغ والده، قال الأخير: اعلم يا بني أني لا أعرف القراءة، وأمسكت الجريدة كل تلك السنوات حتى تتعلم القراءة!!

والآن فلنخاطب الأمهات، هل أنتِ تقرأين لطفلك قبل أن ينام؟، تشير دراسة أكاديمية أنّ القراءة للطفل قبل نومه تبني له صلة عاطفية تجاه القراءة طيلة حياته، فلنتبنى شعار (كن قارئًا من المهد إلى اللحد)، وهناك دراسات أخرى تشير أنّ رحلة التطور اللغويّ للطفل تبدأ من كونه جنينًا في رحم أمه، وتحديدًا في الأسابيع العشرة الأخيرة. فهل سنرى في هذا الزمن أمهات يدمن عادة القراءة؟ 

القراءة مهمةٌ للصغارِ والكبار، فهل يصح لمن بلغ مرتبة علمية كبيرة أن يقول للكتاب: هذا فراقٌ بيني وبينكَ؟، إنّ عادة القراءة تلعب دورًا هامًا في قلب الموازين المعرفيّة، يقول خطيب روما (شيشرون): “بيت بلا كتب، جسد بلا روح”، فهل تواجد الكتاب مهم في بيوتنا؟، هذا الحديث يقودنا لضرورة تكوين (مكتبة منزليّة)، فهل لديك في منزلك مكتبة؟، قد يدهشك صاحب مكتبة منزلية ضخمة، أنّه لا يقرأ منها شيئًا، بمعنى أنّ المكتبة لديه تمثل دور تحفة وديكور فقط!!، وهذا أمر مؤسف يدعو للشفقة!، يقول شاعرٌ مجيدٌ يصف هذا الحال، بقوله: 

وعند الشيخ كتب من أبيه 

مسطرة ولكن ما قراها 

يعد سطورها سطرًا فسطرًا

ينعنع رأسه ويقول (آها)

وفي ذات المعنى، يخاطب الشيخ حافظ الحكمي ممالحًا تلامذته: 

ببيتِ الشيخ كتبٌ قد شراها

‏وجمّعها ولكن ما قراها

‏وقد رضي منها بسلوى

‏إذا فتح المكانَ بأن يراها

‏وينظر في قطائعها ويمضي

‏وهل تدري القطائع ما وراها

إن أغلب هذا الجيل يجيد القراءة، غير أنّ معظمه لا يقرأ، أو لنقول: نادرًا ما يقرأ، فقط  يقتصر على قراءة الكتب الدراسية وحسب!، وهذا أمر مؤلم بحق. من خلال عادة القراءة ستكتشف أنك لا تزال فقير معرفيًّا، وإذا أردت أن تعرف الفرق، اجلس مع شخص قارئ!!، القراءة غذاء الأرواح والعقول، والمكتبة هي ثلاجتها، فلماذا نفتح ثلاجة البطن كل يوم، ولا نفتح ثلاجة العقول؟!، والسؤال المُلّح: ماذا نقرأ؟، وأي الكتب نختار؟، باختصار: هناك كتاب ليس لك، دعه لغيرك، وابحث عما يضيف لتجربتك، تمسك بما يثريك ودع ما لا يثريك. اصرف بعض الوقت للبحث عن الكتاب الجيد، فإذا عثرت عليه فعضّ عليه بالنواجذ. 

هناك كتبٌ تستحق الشراء، والقراءة، فاعرف كيف تختار، ودقق في الهدف، ثم شدّ الوتر واطلق الرميّة. إن أقل ما تخرج به من مطالعة كتابٍ هو ثراءٌ لغويٌ، وثروةٌ لفظيةٌ تضافُ لقاموسكَ الشخصي، في الختام ليس مهمًا أن تصور نفسك أمام كتب المكتبة، المهم أن تقرأ هذه الكتب التي تدير لها ظهرك!