محمد شريف
محمد شريف

د

الموت الرحيم

إن الألم مستمر ولن ينتهي أبداً ما دمنا على قيد الحياة، ولكن هل يمكن أن يكون الموت في حد ذاته ألم من نوع آخر؟ أم يكون الموت في بعض الحالات رحمة وخلاص مما نحس به؟

إذا ما تطرقنا نحو مفهوم الموت الرحيم، لوجدنا أنه يمثل نوع من ممارسة إنهاء الحياة على شكل يُخفف من نوبات الألم الخانقة، ويتضح من هذه النقطة أن الموت لا يُعد ألماً في حد ذاته وإنما تخفيف لآلام نعجز عن تخفيف حِدتها في الواقع.

لا شك أن الألم كامن في نفوس البشرية جمعاء، ولا سبيل للتخلص منه إلا بالانتحار أو إنهاء الحياة، ولكن هذا الفعل بمعنى أو بآخر يعد انتهاك لحقوق الروح وكينونة الجسد، كما أنه تمرد على اللعبة التي سقطنا جميعنا فيها سواء كانت لنا الإرادة في اللعب أم لا، أياً يكن، يعتبر الانتحار فعل منافي لروح الدين، وله عقوبات شنعاء في العالم الآخر، ولعل ما يثبط هِمة الإنسان لإنهاء حياته، ذلك الخوف مما سيُلاقيها عند الحِساب، أما الموت الرحيم، فهو فعل منافي لروح الأخلاق، ولقد رفضه الكثيرون ممن يشتغلون بالطب في العديد من الدول النامية بناءاً على الدين، وفي الدول المتقدمة تبعاً للأخلاقيات المهنة.

فإذا كان الانتحار قائماً على إنهاء المرء حياته بنفسه، فإن الموت الرحيم هو أيضاً إنهاء للحياة ولكن من قِبل آخرين، ولعل سبب تدخل الآخرين في إنهاء حياتك ينحصر في عجزك عن فعل الأمر بنفسك. لك أن تتخيل أنك مطروح على فراش المرض، لا قوة لك ولا طاقة للنهوض، ليست لديك القدرة حتى على الاغتسال أو تناول الطعام، لا شك أن مثل هذه الحياة أقل آدمية من حياة الكائنات الأخرى، وإذا ما أضفنا الحساسية المفرطة، فأنت ترى نفسك بمثابة عبء على كهول الآخرين، فإذا ما أردت قتل نفسك بغية تخليصها من العذاب، وتحرير الآخرين من مسؤوليتك، لن تستطيع! الأمر الذي يُترك لك فيه حق اختيار أن يتدخل البعض لإنهاء حياتك.

وبالعودة لموضوعنا الرئيسي، فأن القتل الرحيم يُصنف إلى ثلاث فئات؛ طوعي، غير طوعي، قسري، الأول يكون الموت الرحيم فيه نابعاً من إرادة المريض، ويتم أخذ موافقته قبل الشروع في هذا العمل.

والثاني لا سبيل فيه لأخذ موافقة المريض، وذلك لأنه في تلك الحالة لا يكون قادراً على إبداء رأيه أو تحديد إرادته، وينطبق هذا الأمر في حال كان المريض رضيع أو طفل لم يتعلم الكلام بعد.

والثالث وهو القهري، وذلك لا يتم فيه أخذ موافقة المريض، لأن المريض لا يستطيع أن يُبدي موافقته أو رفضه، ويمكن أن نضع في هذا الوضع مثال الغيبوبة.

وبناءًا على مرجعية الكثير من الأطباء، فإن الموت الرحيم قرار لا يتم اتخاذه إلا بطبيعة الحالة الماثلة أمامهم، فقد يكون الموت الرحيم إذا كان المريض في غيبوبة أو يعاني آلاماً قاتلة بسبب السرطان أو التهاب الرئة المزمن أو العجز الشامل والشلل الذي يعوق صاحبه عن ممارسة الحياة بشكل طبيعي، ويكون القتل الرحيم إما بأعطاء المريض جرعة قاتلة من أدوية مُعدة مسبقاً أو بالحقن، وقد يقتل المريض نفسه وكأنه ينتحر إذا كان قادراً على ذلك.

ولا شك أن هناك العديد من الدول التي تسمح بالقتل الرحيم كسويسرا وبلجيكا وكندا وهولندا، كما يوجد بعض الدول التي تستبيح الأمر عن طريق مسكنات تعجل بوفاة المريض، حيث يجد بطء في دخول الأكسجين للرئة وتثبيط لعضلة القلب عن العمل، ثم الموت ببطء وسلام.

ومن الجدير بالذكر أيضاً أن الدول التي تُحرم وتُجرم القتل الرحيم أكثر بكثير من الدول التي تتعاطف معه، وعلى رأس هذه الدول؛ الدول العربية والإسلامية، وإذا كان هناك من يسمح بهذا الفعل، فيكون في حالات معينة، حيث المعاناة التي لا تُطاق والتي يقر فيها الأطباء بأن لا أمل في الشفاء والعودة من جديد.

ولقد بدأت العديد من الدول في إخراج بعض الأفلام التي تتناول هذا الموضوع بشكل جدي وكأنها في ذلك تحاول توصيل الفكرة للمُتلقي كي لا يبادر بإعطاء حكم نابع من عدم درايته بمعاناة الآخرين وآلالامهم التي تدفعهم إلى تمني الخلاص والموت بدلاً من العيش على تلك الصورة.