أحمد فؤاد
أحمد فؤاد

د

درسٌ مُستفاد: لا تكُن عُنصريًا

قد يبدو سؤال “ما هو الدرس المُستفاد من هذا العام؟” سؤالًا مُربكًا للبعض -وأنا منهم بالمناسبة. ذلك لأن مثل هذا التساؤل يدفع بالإنسان إلى مواجهة نفسه ومُحاسبتها. وحساب النفس في أغلب الأوقات مؤلم بقدر ما هو مفيد.

لكن دعونا نعيد صياغة السؤال بطريقة أخرى “أترغب في أن تُعاد أحداث العام مرة أخرى؟”. هكذا تتقبّل عقولنا التساؤل، وتبحث تلقائيًا في أحداث العام الفائت عمّا يؤلمها أو يُسعدها كي تُقرر اختيارها.

كان عام 2020 عامًا استثنائيًا في كل شيء، استثنائيًا لدرجة غير قابلة للتصديق في عصر التقدّم التكنولوجي المُتقدّم الذي نعيشه. عشنا لحظات إيجابية بكل تأكيد مثل عودة الترابط العائلي وتعزيز العمل عن بُعد، ومحاولة تحسين آليات التعليم عن بُعد، واضطرار الحكومات تطوير البنية التحتية للخدمات الإلكترونية وخدمات الإنترنت.

لكن اللحظات السلبية أصابتنا بصدمة عنيفة. فليس من السهل أن نفقد الثقة في مُسلّمات ظنناها غير قابلة للتحطّم. كانت صدمات مثل صدمة إغلاق مطارات العالم كافة أو الحظر الكُليّ الذي شمل كل أنحاء الأرض، كانت من القوة أن أفقدت البشر توازنهم بعد أن أدركوا أنهم ضعفاء رغم كل تقدمهم الذي حققوه في جميع العلوم.

لكن في رأيي الشخصي فإن أسوأ ما نتج عن أحداث جائحة كورونا كوفيد-19 في عام 2020؛ هو أنها كشفت لنا بكل وضوح أن العُنصرية لم تمت بعد، وأن رمادها داخل الإنسان المُتحضّر يلزمه فقط شعلة من الخوف من أجل أن تشتعل نيران العنصرية البغيضة داخله.

الخوف الذي أصاب الناس بسبب الجائحة، أحيا روح التفرقة والطائفية بكل أنواعها، وجعلهم يمارسون تعاطفًا انتقائيًا، أو كما يُسمّيه عالم النفس د. سايمون بارون كون من جامعة كامبريدج “تآكل العاطفة”. هكذا صرنا نرى الإنسان يعود إلى بدائيته فيصارع من أجل البقاء مُتجاهلًا أي أخلاقيات أو مبادئ حضارية اكتسبها على مرّ التاريخ.

مع استمرار الجائحة والخوف من نقص الموارد الغذائية والأدوية والأمصال، صار الوضع أسوأ وكانت المُحصّلة الكثير من الآثار المروّعة. سادت الفوضى جميع وسائل التواصل الاجتماعي، وتغذّى الرأي العام على هذه النزعات غير الإنسانية. يفسّر ذلك تصرفات مؤسفة انتشرت في مجتمعاتنا؛ كمن صار يمرّ بشخص مُشرّد أو يرى شخص يُعاني دون الشعور بالحاجة إلى عرض المُساعدة، بل والأسوأ؛ ظهرت شريحة كبيرة صارت تبتهج من إشاعات قذرة أو مُضلّلة عن فئات أو أشخاص غير محبوبين.

أعترف أنني عشت خلال هذا العام أوقاتًا أعتبرها الأسوأ في حياتي؛ انتابني شعور الخوف على نفسي وأسرتي، وأنا أرى ممارسات تنمّر وخطابات كراهية في جميع وسائل التواصل الاجتماعي، ليس شرطًا أن تكون تلك الممارسات وُجهّت ضدي بشكل شخصي، لكنني أعلم بأنها إن انتشرت فستطالني نارها في يوم من الأيام.

المُرعب في الأمر أنني وجدت أشخاصًا أعرفهم وأتابعهم أصبحوا يروّجون العنصرية ويبثون صوت الكراهية. أشخاصًا كانوا يدافعون دومًا عن الإنسانية وعن التآخي والأخلاق، منهم أدباء ومُهندسين وأطباء وإعلاميين. عندما وجدت أن مثل هؤلاء قد وقعوا في فخ العنصرية. حينها جزعت؛ ذلك لأنني أعرف أن مرض الكراهية ينتشر أثناء أي فوضى كانتشار النار في الهشيم. لأن غريزة الخوف البدائي تُعزز هذه الكراهية وتعطيها مُبررًا لدى مُمارسيها. ويفقد حينها المنطق أي معنى له.

اعتزلت وسائل التواصل الاجتماعي لفترة طويلة لمحاولة السيطرة على سلامتي النفسية، ثم أدركت في النهاية ضرورة عدم ترك الساحة ترتع بتلك النماذج السلبية؛ فينتشر الرعب والخوف والتضليل. وقررت مواجهة هذه الممارسات بنشر الوعي والأدب وتحفيز السلوك الإيجابي.

لكن – وبعد كل ما رأيته هذا العام – أصبح القلق يلازمني خشية أن تزل قدمي في وحل الكراهية البغيضة في يوم من الأيام، وأُصبح واحدًا ممن يتنمّرون على الناس.

ولأن الإنسان لا يأمن مكر الله؛ فقد دعوت الله ألا أقع في براثن الخوف البدائي الوحشي، وأن يمنحني القوة على مواجهة خوفي الذي قد يُزيّن لي يومًا قتل إنسانيتي.

الدرس المُستفاد الذي أستطيع تقديمه لكم في هذا العام… لا تكن عُنصريًا.